بقلم الأستاذ: رضوان الأحمدي
المثقف و أتكلم عن الكاتب، الشاعر والرسام. صاحب الرأي المتزن، مرين للجدل، شعلة بلاغة الذات ضد الإغتراب، قربانا و فدية للبيان، قابل للإقناع و الإقتناع. حيوي في خطابه، يتعدى المحظور و يصالح ذاته بتحريرها من كثرة القيود. يخالط الناس لجس النبض و في نفس الوقت يترفع عن نسق تداولهم ليصون فكره من شظايا الإنتقام التي تختزل تطلعات العموم الأنية و هم في قمة الإنفعال، اليه اشير.
المثقف تعج في دواخله أصوات تبوح له بالإجحاف، فتراه يطلب منها النظام و الإنتظام لأن شفتيه لا تحبذ أن تنطق عن هوى، سريرة المتمرد الخاسر و الحائز على لقب المزعج الفنان ….
يعيد بناء نفسه، من خلال معضلات الإنسان، بها يتنفس تمردا، خياله جغرافية المكان تنديدا و للمخاوف الوجودية إقرارا.
المثقف هو عصب المجتمع؛ ينتقد التجاوزات ويستنكر الجوهر الزائف، يرفع صوته ضد كل من يتظاهر بعكس الأدوار بشكل مسيء، إنه ضمير المجتمع في التعامل مع حالات الطوارئ، يدعو إلى المقاومة، هو الفنان الذي يضيف المزيد من الجمال، يعرف كيف يقلل من تعقيد الواقع. لا يصمت، يصرخ ضد الإقصاء تفاؤلا. المثقف يهتدي كيف يحيك نسيجا ليستعيد الفعل روعته، تحذوه الرغبة في الإزعاج؛ يزعزع الأحكام المسبقة الأدبية و يحطم المعنى الأصلي عند كل صرخة من أجل الحرية؛ حريته.
المثقف يعتبر نفسه حائك إستعارات، يتنفس الحرف في كل حلم و فرح، يشوبه حزن بأن العالم اصبح مهزلة و سوق النخاسة تباع فيه الأوصاف.
المثقف يعبر عن شوق الروح صراخا بأن وجودنا هو مجرد عبور إلى الإمتلاء المتحول حيث يتولى الإنسان مسؤولية المحاكاة ليستفز الضمير, ترفعا فيستوي المسار، لأن الكتابة بمفهومه، جنون يهز اليقين و يثير ضجر السؤال.
المثقف لا يعيش بأفكاره بل من أجلها، يحث الناس على ان يكون لهم فكر خاص بهم، بدون وصاية و بدون قيود قبلية بالمجان. يعارضه في المسار المثقف الكسيح بانبطاحه، ذلك الشخص الذي لم يستوعب ذاته سخاء، يتمحور حولها متلهفًا لترضية نرجسيته و نرجسية الأخرين. هو ذلك الكائن الذي يخاف النسيان أكثر من الموت، مفرط الأنانية، نسي واقعه المزري، وانسحب من واجباته، امتلاكا لزيف يبرره و ينوم ضميره بفرقعات المواسم، مصابيح ملونة و التلون الفكري قاعدة و إصرار. يغير رأيه بإستمرار لأنه باطنيا تاجر المآسي يبحث دائما عن تقلبات السوق، ويعامل نفسه كمنتج قابل للتبديل و المساومة الأخلاقية، صفقة و تطبعا مع الفساد..
المثقف نزيه مع نفسه و مع الأخرين لا يتحمل مسؤولية التبليغ او التكليف، مهامه، ان صح القول ان يداوم دورية اليقظة و ان يكون ضمير المجتمع الحي مداومة. لأنه يعي ان الثقافة لا يمكن الإسفاف بها تبسيطا، خوفا أن لا يفهمها سواد الناس، إذا إعتمدنا هذا النهج سنكون و كأنك نساهم في ريادة ثقافة التفاهة. المفاهيم هي كما هي و ما عليها، مرة تتمظهر وهي عميقة و تارة تتوارى وراء ستار المخاطبة السطحية.
و نظرا لسيادة ما قلته، الآن نعرف بروز ظاهرة Agnotology, و هي تعريفا؛ تدوير الجهل كمنتوج، ما حدث انهم قاموا بتعويض المثقف بالخبير، والخبير، تعريفا ذلك الشخص الذي تحت الطلب يحاول أن يقنعك بخبرته و يبسط لك الأشياء لإستمالتك كزبون و لا يهمه فلسفة الحياة ولا قواعدها الأخلاقية عكس المثقف الذي يبحث عن عمق الأشياء.
بناء على هذا، نقول لا تحملوا المثقف فشل كل المجتمع، و لا تزيدوا في معاناته، يكفيه أنه يعيش في مجتمع عديم الثقة ورغم ذلك إستطاع أن يحافظ على تماسكه و لم ينسى أن المجتمع على عاتقه يئن ضجرا و إستسلاما، الى أين المفر؟ …..