إسبانيا/ محمد رضا العبودي
يبدو أن الانتخابات التشريعية, الجهوية و الجماعية المزمع تنظيمها مطلع شهر شتنبر القادم بالمغرب, قد أثارت شهية بعض من مغاربة العالم للترشيح ضمن دوائر تبعد آلاف الكيلومترات عن مقر سكناهم.
و بعيدا عن الخوض في المسار الشخصي لكل المترشحين من مغاربة العالم و عن كفاءتهم أو استعدادهم للدفاع عن قضايا الجالية, ذلك أننا لا يمكن إلا أن نُكِن لهم الاحترام اللازم, نطرح تساؤلات حول معنى هذا الترشيح في ظل إقصاء مغاربة العالم من المشاركة السياسية كعنوان بارز و عريض لفشل الحكومة و الأحزاب السياسية المغربية في تنزيل مقتضيات الدستور الجديد التي تضمن لمغاربة العالم مشاركتهم في اللعبة السياسية بوطنهم الأصلي.
أولى الملاحظات التي نسجلها أن الترشيح في دوائر انتخابية بالمغرب يشكل في حد ذاته عقدا بين المرشح و الناخبين بتلك الدائرة, يلتزم بموجبه المرشح بتطبيق برنامج انتخابي محدد يأخذ بعين الاعتبار مشاكل و هموم و تطلعات الناخبين الذين لديهم حق و حرية الاختيار بين العديد من المرشحين, فهل من المنطقي أن يترشح أحدهم في دائرة بالمغرب ثم يدافع عن ناخبين في الخارج لم يصوتوا على أحد? ثم كيف سيدافع هذا المرشح عن قضايا الناخبين في المغرب و التي تتطلب المواكبة اليومية و هو يقطن بعيدا عن دائرته بآلاف الكيلومترات? ألا يعتبر ذلك إخلالا بالعهد و الوعود التي أطلقها للعمل لصالح الساكنة? و هل يحق لنا كجالية محاسبة هذا المرشح أو ذاك على حصيلته البرلمانية و نحن لم نختر أحدا و لم نصوت على أحد? ثم أي شرعية أو مشروعية ستكون للمرشحين خارج صندوق الاقتراع للحديث بإسم جالية كبيرة تم إقصائها من المشاركة السياسية?
كما تقتضي كل انتخابات تنظيم لقاءات للتواصل مع المواطنين و الإنصات إليهم و تقديم برنامج انتخابي محدد لكسب أصوات الناخبين, فأين سينظم هؤلاء المرشحين حملاتهم الانتخابية? هل في أماكن إقامتهم في الخارج? أم في الدوائر التي ترشحوا فيها بالمغرب? إننا إذا أمام عبث سياسي لا يمكن أن نفهم طلاسمه إلا من خلال منطق “الوزيعة” الذي مازال للأسف معمولا به من طرف بعض الفاعلين السياسيين بالمغرب لتوزيع كعكة الانتخابات كمكافأة لهذا أو ذاك (يعني باك صاحبي).
إذا كان لهؤلاء المرشحين من مغاربة العالم الرغبة في الدفاع عن حقوق الجالية في المشاركة السياسية, فليستمروا في النضال من أجل تفعيل هذه المشاركة و تمكين الجالية من هذا الحق الدستوري, و ليس القفز إلى سفينة الريع السياسي بعد أن فتح القاسم الانتخابي شهية الكثيرين لخوض غمار الانتخابات, ثم كيف تتبجح الكثير من الأحزاب السياسية في المغرب بالدفاع عن حق مغاربة العالم في المشاركة السياسية و هي التي لم تحرك ساكنا من أجل تفعيل و تنزيل هذا الحق الدستوري.
إقصاء مغاربة الخارج من المشاركة السياسية هو إضعاف لارتباطهم بالوطن و إقبار رغبتهم في المساهمة في العمل السياسي من أجل بناء مغرب الغد, مغرب قادر على رفع التحديات الكثيرة المطروحة أمامه, وطنيا و إقليميا و دوليا بمشاركة كافة أبنائه سواء داخل أو خارج الوطن.